[center]
الشركس شعب قوقازي يعيش منذ فجر التاريخ في شمال غرب القوقاز، وهو مؤلف من ثلاث مجموعات (متفرعة من أصل واحد) متقاربة لغوياً و عرقياً و هي : الأبخاز (الأباظة ) و القبرطاي و الأديغة .
اسم شركس نفسه هو اسم غريب عن لغتهم أطلقه الآخرون عليهم و عرفوا به من بعد، هم حالياً موجودون بشكل رئيسي في الجمهوريات الروسية التالية:الأديغة و كراتشاي-تشركسيا و كباردينو –بلقاريا . و البقية الباقية تعيش في الشتات على شكل مجموعات إثنية صغيرة نسبياً في كل من تركيا و جيورجيا و الأردن و سوريا و قد تجد قلة قليلة جداً ( ربما بضع عائلات) في مصر و العراق و ليبيا و تونس و ...
لغتهم تنتمي إلى مجموعة لغوية مستقلة تسمى مجموعة لغات شمال غرب القوقاز ( وهي مستقلة عن اللغات الأخرى في العالم و حتى عن لغات الشعوب الأخرى في القوقاز نفسه ، وليس من رابط بينها و بين اللغات الهندو-أوربية (الآرية) ) ،
و هنا لا بد من التنبيه إلى أن الشركس لا يمتّون بالقرابة إلى بقية شعوب القوقاز كالشيشان و الأنغوش و الداغستان و البلقار و القرتشاي و القوميق و اللان ، لا من الناحية العرقية و لا من الناحية اللغوية ، وليس تجاورهم الجغرافي إلا من مصادفات القدر( لأن أغلب من ذكرتُ من هذه الشعوب هي وافدة إلى القوقاز) ، على أن طول المجاورة طبَعَ المنطقة بنوع من التجانس و التقارب في اللباس و الرقص و الفنون الشعبية و ما شابه ذلك من تداخل بينها في كثير من الأعراف و المظاهر الاجتماعية .
ثمّ إن تاريخ غرب القوقاز (الشركس ) يختلف كثيراً عن تاريخ بقية شعوب القوقاز : أعني القوقازالأوسط (الشيشان و الأنغوش و اللان) و القوقاز الشرقي ( الداغستان ) ، فالشيشان و الأنغوش و كثير من القوميات الداغستانية هي قوميات ذات قرابة واضحة فيما بينها عرقاً و لغة و تاريخاً و لكنها تختلف في كل ذلك اختلافاً كبيراً عن جيرانهم الغربيين (الشراكسة) ، و لنأخذ مثلاً دخول الإسلام إلى القوقاز ، فالفاتحون العرب المسلمون دخلوا القوقاز ( وكان كله تحت حكم الخزر ) من جانبه الشرقي – و كان هو الأكثر مدنية وحضارة في القوقاز كله - وفيه كثير من المدن الداغستانية و الخزرية المهمة و أهمها دربند ( و التي أسماها العرب باب الأبواب) في غزوات متكررة و لكنها غير مستقرة ، ومع ذلك فقد كانت تلك بداية هامة لنشر الإسلام في ربوع داغستان و شرقي القوقاز، و أما الشركس (في غرب القوقاز ) فقد ظلوا وثنيين على دينهم الأصلي رغم أنهم كانوا قدعرفوا المسيحية ( في أثناء خضوعهم لنفوذ الروم البيزنطيين) و اعتنقها بعضهم أيضاً ، في حين تأخر دخول الدين الإسلامي إليهم و انتشاره بينهم على نحو ما سنذكر لاحقاً . و هنا لا بأس من أن أقتبس قليلاً مما جاء في موقع " وقف القوقاز" و عنوانه على الويب :
http://www.kafkas.org.tr/arabic/kultur/index.html و هو موقع لافت من أهم المواقع الشركسية على الانترنت ، يقول صاحب المقالة- وهو شركسي أديغي – بلهجة حماسية تظهر فيها عاطفته واضحة جلية في محاولته تمجيد قومه، حتى وهو يتحدث فيها بتوقير عظيم عن دينهم الوثني البدائي القديم مقروناً إلى الديانتين السماويتين المسيحية و الإسلام :
".. لم يقض ِالأديغة أية فترة من فترات التاريخ المعروفة دون دين فقد اعتنقوا على مر التاريخ ثلاثة أديان هامة يشكل المسيحية و الإسلام اثنين منهما. و يبحث الدين القديم للأديغة ثلاثة مواضيع أساسية تتمثل بالإيمان و العبادة و الأخلاق. كما يمكن القول بأنهم آمنوا بالسحر و الشعوذة و الطلسم و الفال و غيرها من المعتقدات الباطلة إلى جانب بعض التصورات المقدسة و عبادة بعض موجودات الطبيعة كالجبال و الأشجار و غيرها..
الإله تخا (تحا ) :
كان الإيمان بإله متعالٍ يُشكّل أحد أهم معتقدات الأديغة القديمة الأمر الذي نراه في سائر الأديان. و لقد أطلق الأديغة اسم "تخا" على هذا الإله. فهو خالق الكائنات بيده مقاليد كل شئ، يرأف بعباده و يرحمهم لأنه رحيم، يمنح الصحة و هو الذي يعاقب في نفس الوقت. و يُرى في هذه الصفات التي خلعها الأديغة على الإله"تخا" سمات التوحيد. يأتي في المرتبة الثانية بعد الإله "تخا" الإله "شبلة" إله العواصف و هو الذي يقوم عبره الإله "تخا" بتربية البشر. إلى جانب هذا فقد آمن الأديغة ببعض الآلهة الأخرى أيضا ...
أشكال العبادة :
تحتلّ العبادة مكانة هامة في الدين القديم للأديغة و كانت تجري ضمن "غابات صغيرة مقدسة" تستخدم كأماكن للعبادة التي تتألف من عزف الموسيقى و الرقص و بعض المظاهر الأخرى. و كان "التخامادة" هو الذي يقوم بتنظيم طقوس العبادة.... و كما هو الحال في سائر الأديان البدائية الأخرى في العالم تتحقق هنا أيضا الفرضية القائلة بأن المصدر الأول للدين كان الإيمان بإله واحد الأمر الذي تحول فيما بعد ليصبح إيمانا بآلهة متعددة. ففي معتقدات الأديغة السابقة كان "تخا" هو المركز الأساسي لكل شئ و هو خالق كل شئ"
الأديغة خابزة khabza :
هي القوانين الشفهية(1) التي تنظم جميع مبادئ الأخلاق الفردية و الاجتماعية للحياة تحت اسم " خابزة " و تعتبر "خابزة" أمرا مقدَّساً يقوم مجلس شورى التخاماديين بمعاقبة من لا يعمل وفقها. بعد أن قمنا بتلخيص الدين القديم للأديغة على هذا النحو يمكننا الآن الحديث عن دخول الإسلام. إن الدين المسيحي و إن كان له وجود في القفقاس قبل مجيء الإسلام إلا أنه لم يكن أبدا و في أي وقت من الأوقات فعّالاً .."
دخول الإسلام بلاد القفقاس :
".. دخل الإسلام القفقاس في فترة الفتوحات التي قام بها (الخليفة) عمر(ض)، إذ دخل داغستان عقب فتح إيران. و قد اضطرت الجيوش الإسلامية التي دخلت القفقاس في القرن السابع للهجرة (!!) ( لعل الكاتب أخطأ سهواً.. و لابد أنه قصد القرن السابع الميلادي لا الهجري ) لخوض حرب طويلة الأمد مع الخزريين. في هذه الفترة بدأ كلٌّ من الداغستان و الشيشان و قسم من سكان المنطقة الوسطى للقفقاس باعتناق الإسلام.... أما دخول الإسلام إلى شمال غرب القفقاس (شركسيا) فكان متأخرا نسبياً مقارنة مع شرقه. إن نشر الإسلام (الذي كان قد بدأ في القرن الثالث عشر) قد أتمَّه كلٌ من الدولة العثمانية و خانات القرم (التتار الأتراك) في القرن الثامن عشر. .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- لم يعرف الشركس خلال تاريخهم الطويل أي شكل من أشكال الكتابة و لم تدعهم إليه حاجة في حياتهم البسيطة القائمة على الصيد و الزراعة و المنغلقة بشدة على نفسها في عاداتها و فلوكلورها و ديانتها البدائية بين شعاب جبال حراجية باردة قاسية .. إلى أن أسلموا على يد العثمانيين فتعلموا منهم الأبجدية العربية التي كان الأتراك قد تبنوها بعد إسلامهم محبة لها ( و آثروها على أبجديتيهم الأصليتين الأويغورية و الأورخونية ) على اعتبارها خطاً إسلامياً مقدساً ، كتبت به آيات القرآن الكريم.
و هكذا فبفضل الأتراك دخل الشركس عالم الهداية الإسلامية و بفضلهم عرفوا الخط لأول مرة ، ثم تبنى الشركس حديثاً بعد الاستعمار الروسي لوطنهم ، الأبجدية الروسية المسماة Cyrillic alphabet و قسم آخر منهم أصبحوا يكتبون بالأبجدية اللاتينية.